يرى بعض الباحثين ان الكوجيتو الديكارتي (انا افكر فانا اذن موجود) هو نقطة بداية الوعي الاوروبي العقلاني الحديث.
استهدفت فلسفة ديكارت تحقيق ثلاثة أمور:
1 ـ ايجاد علم يقيني فيه من اليقين بقدر ما في العلوم الرياضية، بدلاً من العلم الموروث من الفلسفة المدرسية.
2 ـ تطبيق هذا العلم اليقيني تطبيقاً عملياً يمكّن الناس (من ان يصيروا بمثابة سادة ومالكين للطبيعة).
3 ـ تحديد العلاقة بين هذا العلم وبين الموجود الاعلى أي الله، وذلك بايجاد ميتافيزيقا تتكفل بحل المشاكل القائمة بين الدين والعلم.
وتتحقق الغاية الاولى بايجاد منهج علمي دقيق، وهذا ما عرضه ديكارت في كتابه: (مقال في المنهج) و(قواعد لهداية العقل). ويقوم هذا المنهج على اربع قواعد، اهمها هي القاعدة الاولى التي تعبر عن الشك الذي سينعت بالشك الديكارتي و (الكوجيتو الديكارتي)، وهو ماعبر عنه ديكارت في التأمل الأول من تأملاته بقوله: (مضت عدة سنوات منذ ان لاحظت ان كثيراً من الاشياء الباطلة، كنت اعتقد ابان شبابي انها صحيحة، ولاحظت ان الشك يعتور كل ما اقمته على اساس هذه الامور الباطلة، وانه لابد ان تأتي لحظة في حياتي اشعر فيها بان كل شيء يجب أن يقلب رأساً على عقب تماماً، وان ابدأ من اساس جديد اذا شئت ان اقرر شيئاً راسخاً وباقياً). ويستمر ديكارت في توكيد هذا الشك فيقول: (اني افترض اذن ان كل الامور التي اشاهدها هي باطلة، وأقنع نفسي بانه لم يوجد شيء مما تمثله لي ذاكرتي المليئة بالأكاذيب، واتصور انه لا يوجد عندي اي حسّ، واعتقد ان الجسم والشكل والامتداد والحركة والمكان ليست الا تخيلات من صنع عقلي، فماذا عسى ان يعدّ حقيقياً؟ ربما انه لاشيء في العالم يقيني. لكن من يدريني لعل هناك شيئاًمختلفاً عن تلك الاشياء التي حسبتها غير يقينية، شيئاً لا يمكن ابداً الشك فيه؟ الا يوجد اله او قوة اخرى تصنع في عقلي هذه الأفكار؟ يجب عليّ ان استنتج واتيقن ان هذه القضية (انا كائن، انا موجود) هي قضية صحيحة بالضرورة في كل مرة انطلق بها او اتصورها في عقلي)(1).
6 ـ عصر التنوير:
التنوير تيار عقلي ظهر في الفلسفة الاوروبية وبلغت الدعوة اليه ذروتها في القرن الثامن عشر، اما نقطة بدايته فهي موضع خلاف بين مؤرخي الفلسفة، مثلما هو الموقف من تاريخ الافكار الذي يميل الباحثون فيه على الدوام الى التفتيش عن بدايات ترتد الى عصور تسبق تداول تلك الافكار وشيوعها في الوسط الثقافي.