III - العقل المنغلق والعقل المنفتح :
إلى جانب مسألة المعارف يطرح اشكال اخر حول طبيعة العقل هل هو بنية مغلة منتهية التكوين ؟ ام انه مشروع مفتوح على النمو والتطور ؟ بصيغة تاخرى ما علاقة العقل بما يحصل من معارف هل يتأثر بها ؟ اما انه رغم ما يحققه من اكتشافات ( علمية ) يبقى هو مماثلا لداته خلال التاريخ ؟ إن ما يميز المواقف السابقة على اختلافها وهي ترسم طبيعة العقل وتسطر حدوده هو كونها انتهت بالعقل الى انغلاقه ويختلف هدا الانغلاق من موقف الى اخر فالعقل المنغلق عند ديكارت بتقديسه لمبادئه الفطرية التي يتمكن من تجازها او الشك في صحتها وهي مبدأ هوية ومبدأ عدم تناقض و مبدأ الثالث المرفوع ومبدأ السبب الكافي ام عند جون لوك فقد بيقي العقل مقيدا ومحدودا بحدوث التجربة الحسية في حين وعلى رغم من طابع الحيوية والفعالية التي يتصف بها العقل عند كانط فقد بقي محكوما وتحت وصاية مقولات فطرية كما بقي محدودا بحصول الحدوس التجر يبية وخلاصة القول ان القول كما طرحته الفسلسة الحديثة ضل ثابتا منغلقا يقضي من داته و من الواقع كل ما هو لا عقلي مؤمنا باللتشابه والتجانس رافضا الاختلاف والتناقض وهوما اعتبر استولوجيا عائقا امام معرفتنا للعالم وقد انعكست هده الطبيعة الانغلاقية والوثوقية للعقل على التصوريات العليمة فقد اعتقد الراياضيون مثلا بوجود مجموعة من المبادئ العقلية وبداتيتها وجعلوها اساس كل برهان رياضي ناجح كما اعتقد الفيزيائيون ان جميع الظواهر تخضع لمبدأ وهو مبدأ عقلي يعني ان نفس الاسباب تؤدي الى نفس النتائج … وادا كان هدا الاعتقاد او داك قد افاد العلم في تفسير العالم والسيطرة عليه فان انعلاقه وايمانه الشديد بمبادئه ورفضه لتناقض شكل عائقا امام تطور المعرفة العلمية بخاصة والمعرفة الانسانية بعامة ومن اجل تجاوز هدا العائق تم بناء عقلانية جديدة اصبح معها العقل وجها لوجه امام مبادئه ومقولاته حيث افاق من الوهم الدي كرسته العقلانية الكلاسيكية فكان اول عمل قام به العقل هو تحطيم فكرة البداهة فكل فكرة مهما كانت طبيعتها اصبحت تحتل الصدق والكدب وبالتالي تقل البرهنة وفي جملة واحدة ما كان يرفضه العقل ويجعله خارج دائرته اصبح يعيش داخل دائرة العقل اد ستبدأ ازمة العقلانية الكلاسيكية مع الهندسات التي ستضع مبدأ الثالث المرفوض موضع تساؤل وبالتالي عن محدودية صلاحيته " البرهنة بالخلف " وسيلقى العقل صدمة اخرى عندما ستنتقل عدوى الشك مع جورج كافتور "رياضي روسي احد مؤسسي نظريات المجموعات من المسلمات الى البديهيات حيث ستكشف نظريته في المجموعات عدم وجود البديهيات العقلية لم يعد معطى قبل البرهنة بعد ان ظهر ان صدق هده القضية محدود ومشروط بالمجموعات المتناهية وهدا يعني ان صدقها لم يعد مطلقا وبالتالي ليست خاطئة فالقضية الكل يساوي الجزء صحيحة في اطار المجموعات المتنناهية هكدا مع نظرية المجموعات سيقصي العقل احد أهم ركائز العقل الكلاسيكي: البديهيات سيضطر العقل الى التنازل ( التخلي عن للانفتاح على كل المبادئ الممكنة باعتبارها مجرد مسلمات او مواضعات كما بين انشطين في نظرية النسبية ان الزمان و المكان غير محددين بهوية مطلقة كما في الفيزياء النيوكونية فالزمان نسبي متغير بحسب سرعة الجسم والمكان والكتلة ومن بين الفلاسفة الدين احدثوا قطيعة مع العقلانية الكلاسكية فاسسوا عقلانية جديدة ادت بالعقل الا الانعتاق والتحرر من طبيعته الانغلاقية وانبأت بميلادالعقل المنفتح وهو بلا شكل مستقل البشرية في ادراك وفهم الالغاز التي يواجها الانسان في العالم لقد اثبتث هيغل ان العقل بنية متناقضة لانه يخدع لقانون الجدل الامر الدي يجعله عقلا جدليا لانه يسير من الاطروحة او القضية الى النقيض تم الى التركيب وهده السمة الديالكاتيكية التي سيتم بها العقل هي التي تحرك العقل من هنا نفهم لمادا قال هيغل كل ما هو عقلي فهو واقعي وكل ما هو واقعي فهو عقلي وهو القول الدي يثبث ديناميكية العقل وقدرته على اضاء عناصر السلب على مجريات الواقع والتاريخ اما نتشه فقد حاول يقول للانسان كيف يتخلص من المظاهر الخداعة الميتافيزيقة وكيف يفجر العقل المنطقي الدي يفسر الاشياء تفسيرا خاطئ في تجاهله للاضداد فادا تخلص العقل من هده الاثقال استطاع الانسان ان يدرك ان الحياة حركة لانهائية ( صيرورة وادا كان العقل هو الحياة فان تجميده يعني حتما تجميدا للحياة وتخطيها لحرية الانسان حريته في ان يرفض المنطق الدي ارادت الميتافيزيقية تكريسه وحريته في اعتقاده بخطأ العقل وبقدره هدا العقل على تجاوز اخائه ففي هدا المنعطف ينكشف التوازن بين المعقول و اللامعقول ان انفتاح العقل المعاصر لا يعني استغنائه عن كل مبادئه التقليدية ولكن يعني اقرار العقل بمحدودية صلاحية تلك المبادئ وتسليمه بامكانية وجود ظواهر اخرى تخضع لمبادئ مختلفة عليه ان يكون مستعدا للنظرفيها بدل رفضها القبلي / المبدئي
IV - العقلي واللاعقلي
يتحدد اللاعقلي في الاطروحات الكلاسيكية باعتباره سلبا او مقابلا للعقل ففي المستوى المنطقي يقابل العقلي الوهمي والخيال وفي المستوى المعياري يرادف اللاعقلي الهوى والانفعال كمقابل الوعي والارادة والسيطرة على الدات ( ان الانسان الدي يهوى يكون منفعلا بالهوى لا فاعلا له )
ادا كان مما نسميه العقلي ينجلي في العلوم فان تجليات اللاعقلي تظهر بوضوح مثلا في اعمال بعض الحركات الفنية ( الرومانسية السوريالية او الفكرية التصوف الوجودية كدلك في مظاهر الجنون اوالحمق وفي الاحلام والامراض النفسية فهل العقل واللاعقل يتحققان او يعبران عن داتيتهما ويشتغلان في انفصال عن بعضهما ام انهما متداخلان ومتفاعلان ؟
الاطروحة الانفاصالية :
نظر الى العقل في العقلانية الكلاسيكية باعتباره كيانا متجانسا قائما بداته في تقابل مع اللاعقل دلك يعني ان العقل بما يتضمنه من مقولات ومفاهيم ومبادئ وافكار العقل التقليدي اللامعقول ويثمثل دلك عمليا خلال التاريخ في اشكال الاقصاء المتخلف والحشي احيانا للمجنون خارج اطار الحياة الاجتماعية بوصفه مقطوع الصلة بالله او متساويا مع الشيطان او فاقدا للعقل لكن محاولات الفلاسفة المعاصرين انتهت الى ازالث الهوة بين العقل واللاعقل من تاكيد هم على التناقض الدي يحكم التاريخ والواقع والعقل بحيث اصبح العقل قادرا على التعايش مع نقيضه فكيف هدا التعايش فهو واقعي وكل ما هو واقعي فهو عقلي وهو القول الدي يثبث ديناميكية العقل وقدرته على اضفاء عناصر السلب على مجريات الواقع والتاريخ أما نيتشه فقد حاول في استيمائه ان يقول كيف يتخلص من المظاهر الخداعة للميتافيزيقا وكيف يفجر العقل المنطقي الدي يفسر الاشياء بتجاهله للاضداد فادا تخلص العقل العقل من كل هده الاثقال استطاع ان يدرك ان الحياة حركة لا نهائية (سيرورة ) وادا كان العقل هو الحياة فان تجميده يعني تجميدا للحياة داتها وتحطيما لحرية الانسان حرية ان يرفض المطلق الدي ارادت الميتافيزقيا تكريسه وحريته في اعتقاده بخطأ العقل وبقدرة هدا العقل على تجاوز اخطائه ففي هدا المنعطف ينكشف التوازن بين المعقول واللامعقول وهكذا شكلت العقلانية المعاصرة ثورة الماضي ثورة لم ترفض الماضي بقدر ما عملت على تجاوزه ففتحت للانسان افاقا جديدة مكنته من استعادة ثقته بموقعه الدي ينبغي ان يحتله داخل الطبيعة وبقدره اكثر السيطرة
الأطروحة الاتصالية :
انتهت محاولات الفلاسفة المعاصرين الى ازالة الهوة بين العقل واللاعقل من خلال تاكيدهم على التناقض الدي يحكم العقل والواقع والتاريخ بحيث اصبح العقل مع نقيضه فكيف يحدث هدا التعايش هناك محاولات كثيرة في الفلسفة المعاصرة اثبث ان العقل يوجد في وضعية تفرض عليه قبول اللاعقل بل والتاثير به يرى اريك فيل مثلا ان مجموعة من السلوكات اللاعقلية تصدر عن الانسان في اغلب الاحيان الامر الدي يعني ان مقولة الانسان كائن عاقل ينبغي النظر فيها خصوصا ادا علمنا اننا امام حيوان وليس ملاك انه الكائن الوحيد الدي يجتمع فيه العقل والغرائز اللاعقل فعندما ينطق العقل تصغي الغرائز وعندما تتحدث الغرائز يصغي العقل وهده هي الحياة في نظر اريك فيل حياة يتم فيها بالضرورة التوازن بين العقلي واللاعقلي ويدهب فرويد ابعد من دلك بحيث اعتقد أن الانسان يصدر سلوكات لا يمكن فهمها الا بالرجوع الى منطقة اللاشعور وهي منطقة عميقة في النفس تتضمن جملة من الرغبات والغرائز المكبوتة لكونها تتناقض مع العقل والواقع وهده الرغبات اللاشعورية هي نتاج لسلطة العقل واستبداده ومع دلك تقتضي الحياة النفسية إشباع اللاشعور بنفس المقدار الدي يتم به خضوع الشخص لأوامر العقل ونداءاتهأما مار كوز فينظر إلى علاقة العقل باللاعقل من زاوية أخرى بحيث يرى أن نمط الإنتاج في النظام الرأسمالي يقوم على مبادئ عقلية تخدم الطبقة البورجوازية وتحافظ على بقاء النظام واستمرار يته ومن بين هده المبادئ المنافسة الربح السريع المر دودية الإنتاجية الاستهلاك فكل ما يخرج عن هده المبادئ يدخل في دائرة اللاعقل وهدا معناه أن مبادئ الإبداع والنقد والرفض هي مبادئ لاعقلية فما مصدر هده المبادئ اللاعقلية ؟ هل هي من صميم العقل ذاته أم أنها من خارج العقل ؟ الحقيقة التي يكشفها مار كوز أن مبادئ العقل التي اعتبرت مبادئ النظام الرأسمالي إنما هي مجرد وصاية تفرضها الطبقة البورجوازية المستغلة على الطبقة البروليتارية المستغلة مما يعني أن جذور اللاعقل هي ليست من العقل ذاته وانما من العقلانية التي تفرضها الرأسمالية وفي هده الحالة سيكون العقل كما تحدده الرأسمالية أداة للاستعباد والاستلاب بدل من أن يكون وسيلة للتحرر لان التحرر يجد ذاته في الدعوة إلى الإبداع والنقد والثورة على النظام الرأسمالي وخلاصة القول إن مظاهر العقل ليست واحدة ومن تم فمع كل مظهر للاعقل يوجد مظهر جديد للاعقل كما أن الوضعية الراهنة لم تعد تقبل إقصاء اللاعقل لانه بدون الإيمان بالاختلاف لن يكون مكان للتسامح والتعايش.